image

"بالأمس كنت ميتا" " الرواية التي خطفت الأضواء في الوسط الأدبي العربي

"بالأمس كنت ميتا" "  الرواية التي خطفت الأضواء في الوسط الأدبي العربي

 حوار مع الكاتبة المصرية الرائدة رضوى أسود

ما هو موضوع الرواية؟

هي رواية تلقي الضوء على صفحة من تاريخ الدولة العثمانية وتحديدًا الإبادة الأرمنية، كما تتناول عرقيّ الأرمن والكرد وتوضح كيف ربطهما التاريخ كما الجغرافيا.

وهي مكونة من حكايتين تدور الأولى منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الربع الأول من القرن العشرين، والثانية في بداية الألفية الثالثة، الأولى تدور في تركيا الحالية، والثانية في مصر.

 

  ما هي الفكرة التي كونتيها عن الشعب الأرميني؟

معرفتي الحقيقية بالشعب الأرميني كانت صدفة بحتة. فأنا لم أخطط ولم أتخيل يومًا أن أكتب رواية عن الأرمن. كنت أجهل تاريخهم الذي يعد أهم مشهد فيه مذابح 1915. كان الأرمن بالنسبة لي الممثلات الجميلات أمثال نيللي ولبلبة، بالإضافة إلى أنني كنت أرى أنهم جنس مثل جنسيات أخرى (يونانية، إيطالية) ممن استوطنت مصر حينما كانت تحمل طابعًا كوزموبوليتانيًّا.

حتى كان شهر أبريل من عام 2015، حيث وجدت نفسي محاصرة بصور الإبادة الجماعية التي انتشرت كالنار في الهشيم على كل وسائل التواصل الإجتماعي بمناسبة الذكرى المئوية للمذبحة.

ظلت تلك الصور تستنزفني في هيئة تفكير كان يقتلني يوميًا، وذلك بمجرد أن تستحضرها ذاكرتي. أحيانًا أشعر أن أرواح أبطال تلك الصور -التي التقطها مصور ألماني من قلب الأحداث كي تظل شاهدة على شعب ذبح بلا رحمة، وبلا جريرة- هي من كانت تدفعني دفعًا للكتابة عنها، وقد نجحوا في أن أنقل -نيابة عنهم- صورة من صور الظلم البشري في أبشع درجاته.

الدافع الأكبر للكتابة عن الأرمن، هو ما نعيشه حاليًا من حالة سعار وتشدد ديني، وإقصاء للآخر المختلف، والزج باسم الإله لشن حروب وارتكاب مذابح؛ لذا أهديت الكتاب "إلى كل روح ازهقت باسم الإله".

وما عرفته من خلال بحثي قبل كتابة الرواية، أن الأرمن من الشعوب القديمة والعريقة والتي كانت تحتل دولتهم مساحات شاسعة من الأراضي.  ففي القرن الثاني قبل الميلاد كانت أرمينيا الكبرى تمتد من نهر الفرات آخذة معها أجزاء من أذربيجان وإيران حتى حدود جورجيا الحالية، وهي أول دولة تتبنى المسيحية كديانة رسمية، وللأرمن مهنهم التي اشتهروا بها كالطباعة، وهم خلوقون متسامحون، محبون ومخلصون جدًا للعمل، وقد حلوا محل اليهود كمستشارين للباب العالي في الدولة العثمانية نظرًا لإجتهادهم وسمعتهم الطيبة.

 

   لماذا اخترت الكرد تحديدًا وقرنتيها بالأرمن؟

قرأت مقالات وكتب لمثقفين وكتاب كرد كلها تؤكد على عمق الأواصر التي كانت تربطهم بالأرمن، وكذلك قصص حب رومانسية ربطت بين رجال ونساء من الشعبين. جغرافيًا، اقتسم الأرمن والكرد منذ القدم تلك المنطقة الهندو-أوروبية مترامية الأطراف، فكان من يغزو كردستان، يغزو بالضرورة أرمينيا، والعكس صحيح، وتاريخيًّا، تعرض الإثنان لغزوات الآشوريين والفرس والمقدونيين والروم والعرب وأخيرًا الترك الذين لاقوا منهم الأمرين نتيجة أن أراضيهم كانت مسرحًا لحروب طويلة دارت بين العثمانيين والصفويين من جهة وبين العثمايين والروس من جهة أخرى، ودينيًا، كان الإثنان يدينون بالزرادشتية (المجوسية)، قبل أن يستقطب الإسلام معظم الكرد، وتستقطب المسيحية جميع اأرمن. الملابس كانت تقريبًا واحدة، حتى الأسماء فيها تشابهات كتير: باجرانونيان .. باجرانيلي، مانديكانيان .. مانديكانيلي، كما أن اسم آرام  وهو لأحد أبطال في الرواية، يشترك فيه الأرمن والكرد على السواء.

 

 ما هي ردة فعل القارىء المصري والعربي عن الرواية؟

"بالأمس كنت ميتًا" هي خامس رواية لي، وصدقًا لم تُحدِث رواية منهم ردة فعل مثلما أحدثت تلك الرواية، حتى أنني أشعر وكأنها أول عمل لي، وأول تعارف حقيقي بيني وبين الجمهور. كان هناك تفاعل كبير على صفحة جود ريدز، وعلى جروبات القراءة، وتواصل غير عادي من قراء لا أعرفهم، وإشادة بالغة بالعمل وبدقته، وكيف على الرغم من أنها رواية تاريخية إلا أنها لم تغرق في التسجيل، وكأنها مرجع تاريخي، وكانت الدهشة الأكبر هي كيف يتسنى لشخص أن يكتب عن جنسيات وأعراق وعادات وتقاليد لا يمت لها بصلة. أيضًا كانت العبارة التي تعد قاسمًا مشتركًا بين كل من قرأ هو أنهم تعرفوا على حقبة لم يكونوا يعلمون عنها شيئًا، وقد حصد أبطالي الأرمن تعاطفًا هائلًا من القراء وصل حد البكاء.

 

  الأرمن مكون أساسي ومهم في المجتمع المصري اليوم؟

أول تواجد للأرمن في مصر، كان في عهد الدولة العباسية، مرورًا بالدولة الفاطمية، ومن بعدها الدولة المملوكية، وقد تزايد عددهم بشكل ملحوظ في عهد محمد علي باشا الذي استخدمهم واستفاد من خبراتهم، وبعد المذابح العثمانية، تزايد وفودهم إلى مصر، لكن مع السياسات الإقتصادية لجمال عبد الناصر والتي اعتمدت الإشتركية، وقد كانوا من أصحاب الأعمال الخاصة، نزح الكثير منهم إلى أوروبا.

طبعًا لا نستطع نسيان نوبار باشا وهو أول رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديثة، ومن الفنانين هناك: نيللي ولبلبة.

لكنهم الآن جالية صغيرة في حدود الـ 8000 نسمة تتوزع بين القاهرة والإسكندرية، وفي الغالب هم أطباء وصائغين، ولهم كنائسهم ونواديهم ومدارسهم وجمعياتهم الخيرية، وهم لا يشاركون في الحياة السياسية.

ما أستطيع قوله هو أنهم ذابوا في المجتمع نتيجة تزاوج الأرمن بالمصريين، ونتيجة ما هو معروف عن مصر من صهر كل الجنسيات في بوتقتها، فهم ليسوا مثلًا كالأرمن اللبنانيين، ومن الممكن أن يعود السبب أيضًا لقلة عددهم الحاليّ

 

  ترجمة الرواية للأرمينية. هل هناك رسالة معينة للشعب الأرميني؟

 

حينما كانت الرواية تستعد للظهور إلى النور، كان قرار الكونجرس بالاعتراف بالإبادة، وكان ذلك في ديسمبر 2019، ومنذ أقل من شهرين اعترف البيت الأبيض بالإبادة. وهذا إنجاز كبير، نظرًا لأنه يأتي من دولة بحجم أمريكا.

لقد استطاع الشعب الأرميني (وهو شعب متسامح، خلوق) بقوته الناعمه، ودبلوماسيته الشعبية، وإصراره وصبره وعزيمته، أن يحقق نجاحًا ويحرز تقدمًا كبيرًا في قضيته، ولم يلجأ للعنف أو القتل أو الثأر للوصول لهدفه، وهذا أيضًا ما تؤكد عليه الرواية، من نبذ للعنف بكل أشكاله للمختلف عنا عقيدة وجنسًا.

ما أريد قوله أن الأمل لا يموت، وطالما هناك عمل جاد لتحقيق الرغبة الأثيرة لدى الأرمن لانتزاع الاعترافات من أكبر عدد من دول العالم، فسيحدث حتمًا. وأن أي اعتراف لأية دولة، غير أنه مكسب للأرمن ولجهادهم المستمر في إظهار الحق والثأر لأجدادهم، هو نشر حقائق تلك المذابح البشعة -التي يجهلها الكثيرون- على نطاق واسع.

 

  هناك حروب وهناك عملية إلغاء الشعوب الصغيرة والثقافات الصغيرة

الحروب منذ الأزل وإلى الأبد، فهل نتحدث عن الحروب الصليبية في القرون الوسطى؟ أم عن القتل الوحشيّ للمسلمين في إسبانيا بعد سقوط الأندلس؟ أم عن إكتشاف أمريكا وقتل سكانها الأصليون من الهنود الحمر؟ أم القتل الجماعي الذى مارسه الأسبان والبرتغاليون لشعوب وأعراق محوا وجودهم من على الأرض كالأزتك والمايا وأقوام التينوشك والتلاتيلولك في المكسيك؟ أم عن قتل فرنسا لمليون جزائريّ؟ أم عن قتل الخليفة المأمون لآلاف المصريين؟ أم عن مذابح الإسرائيليين للفلسطينين؟ أم عن تدمير أمريكا للعراق؟ أم عن تدمير سوريا وليبيا.

في الواقع، أرى أن الحروب كانت باتجاه الشعوب الكبيرة ذات الحضارات العريقة، وباتجاه الأقليات الدينية والعرقية على السواء. فالبشري أخطر حيوان على وجه الأرض، وهو الفصيلة الوحيدة التي تقتل بني جنسها وتمثل به.

 

المحاور  ساكو آريان جريدة "هوسابير" - القاهرة